مسجد الحاكم بأمر الله
مسجد يحتل مساحة واسعة يقع في آخر شارع المعز (القاهرة) وكأنه يختم هذا الشارع العريق المليء بالآثار الإسلامية.
سمة هذا المسجد الاتساع والبراح والطبيعة الحية الناجمة عن تجديده المعاصر، فالتحديثات التي جرت عليه في العصر الحديث والمتابعة المستمرة لنظافته جعلته يعج بالحياة.
ولكن رغم ما أضفته التحديثات من روعة وجمال وهدوء راق على المكان إلا أنها أيضا ألغت النمط الأساسي القديم لبنائه والذي تكشفه لنا مئذنتا المسجد اللتان ما زالتا تحتفظان بهيئتهما القديمة ونمطهما المعماري الفاطمي العريق.
يستطيع الناظر إلى إحدى تلك المئذنتين أن يشعر بحضورها الجليل من خلال ضخامتها ولونها الداكن والزخارف العريضة التي زينتها.
ولن يخطر في بال أحد أن تلك المئذنة وحدها قد تعود لأكثر من ألف عام مضت، وأنها حتى الآن قائمة بكل تلك الهيبة وكل هذا الثقل.. معلنة للجميع عن اختلافها عن بقية تفاصيل المسجد المحدثة.
أعمدة مضلعة متوازية وجدران صفراء ملساء ناعمة خالية عموما من الهيمنة الزخرفية بالطريقة المملوكية التي تنتشر في شارع المعز، وهذا ما يجعل المكان معدا بشكل رائع للسكينة والعبادة.
وأيضا للتأمل حيث يستطيع الزائر أن يتجول في الأروقة الطويلة التي تبدو بلا نهاية, أو أن يجلس على ضفاف الباحة السماوية الواسعة التي يتوسطها موضأ رخامي حديث يعطي انطباعا ما بأنه إضافة حديثة لا تنتمي للمكان.
في زاوية الباحة السماوية توجد فسقية ماء كبيرة تكون ملجأ للحمام والطيور التي تأتي من كل جانب كي تشرب وتغتسل في وقت العصر وحتى الغروب.
الستائر الخضراء الداكنة الضخمة التي تتدلى من خلف الأقواس المتكررة أعطت للأعمدة الصفراء المزيد من البهاء والتضاد والتكامل اللوني، والتزيين بالمشكاة المدورة العريضة والقنديل النحاسي جعل المسجد متعة للنظر وراحة جمة للعين ومقصدا لاستعادة الهدوء النفسي.
والهدوء المحسوس في مسجد الحاكم نابع من تلك المساحات المزينة بطريقة هادئة مدروسة دون زخم زخرفي ودون ألوان كثيرة وعناصر متعددة.
تكرار فقط بعناصر قليلة وألوان محددة ومساحة هائلة أعطت المكان هذه الخصوصية وجعلته مقصدا دائما للسياحة النفسية قبل السياحة الدينية.
بني مسجد الحاكم بأمر من العزيز بالله الفاطمي عام 373 هـ _ 989 م .. وتوفي قبل أن يتمه فقام ابنه الحاكم بأمر الله بتتمة العمل وأنهاه عام 402 هـ _ 1012 م.
محمد الحموي