Close

November 24, 2017

تحفة ابن طولون.. مدينة خيالية حاضرة منذ 1040 عام

مسجد ابن طولون:

يستطيع الداخل إلى هذا المسجد أن يلاحظ بأنه قد انتقل فور دخوله إلى مدينة أخرى وعصر آخر مختلف.

مساحة ضخمة قائمة في مدينة القاهرة تنتمي إلى عصر قديم ولازالت على الرغم من قدمها تتجلى حتى هذه اللحظة بكامل حلتها وأناقتها وحضورها المَهيب.

يبدأ حضور المسجد منذ الوصول إلى السور الخارجي الذي يتوسطه باب خشبي ضخم، يشبه باب المدن القديمة الخيالية. بمجرد الدخول عبر هذا الباب يظهر المكان ببساطة معجزة وسهولة ممتنعة كدليل واضح على الفلسفة الحقيقية للعمارة الإسلامية في ذلك الوقت.

المكان عبارة عن فسحة مربعة ضخمة جدا تحيط بها ممرات مسقوفة ومسورة من الأعلى ولها أقواس مطلة على الساحة، مرفوعة فوق أعمدة كثيرة متوازية ومكررة بطريقة أخاذة.

في منتصف الساحة الضخمة التي تشبه صحراء ممتدة تحت الشمس تظهر قبة فريدة زُرعت لتكون راحة للعين والنفس، وكأنها واحة ظليلة تركن إليها الروح على الفور, فيها حوض للوضوء، تساعد المارين عبر الفسحة وتقدم لهم الظل والهدوء والسكينة بعيدا عن العيون.

خارج أسوار المسجد تقوم مئذنة أسطورية، قد أصبحت بجمالها وأسلوب عمارتها المختلف مادة بحث وتتبع لكثير من المهتمين بأساليب العمارة الإسلامية.

المئذنة عبارة عن برج مكعب يعلوه أسطوانة تضيق بالتدريج وصولا للرأس المدبب الذي يشبه خوذة فارس يحرس المكان بلا انقطاع. يحيط بالمئذنة درج لولبي يلف معها كي يستطيع الزائر الوصول إلى قمتها.

تعطي تلك المئذنة البرجية الغريبة شعورا فوريا للزائر بأنه موجود في عصر آخر وفي مكان آخر، ربما بابل قبل الميلاد، حيث السحر والغموض يلف البرج المشيد ويجعل حضوره مكثفا ومتميزا وسط الفراغ المحيط به.

نظريا هذا هو المسجد على صعيد وصف الكتل، أما حقيقة فهو أبعد من ذلك بكثير إذا ما أخذنا جولة في الممرات المستطيلة المسقوفة المحيطة بالفسحة السماوية.

تتغير ألوان الأعمدة البنية وظلالها حسب الدقائق فكل بضع دقائق يكون للشمس مستوى آخر من النور وتشكيلات أخرى من الظلال الممتدة، حيث يستطيع المرء أن يلاحظ تغير لون الأعمدة من البني الفاتح إلى الغامق إلى الذهبي المتوهج في لحظات معينة من العصر وما قبل الغروب.

ضمن النسيج الجداري للمسجد توجد لوحات زخرفية منتشرة بشكل منظم، محفورة في المادة الأساسية للبناء، ولكنها لا تشبه غيرها من أنماط التزيين الأخرى: المملوكية والعثمانية والأموية، بل تأخذ منحى أكثر بساطة وأقل تكلفا ولكنها في الوقت نفسه أكثر ثباتا ورسوخا في عين المتلقي، إذ أنها على الأغلب تجويفات وبروزات طينية جميلة متناسقة تم حفرها وتشكيلها بعناية وإتقان غطت على الخامة البسيطة وأظهرت الصنعة الفنية المتقنة، وأصبحت مثالا راسخا على الكيفية المذهلة التي يحول فيها الفنان المسلم المادة الخام الرخيصة إلى تحف فنية عالية القيمة.

في آخر كل ممر مسقوف تتعدد أمام الناظر الأعمدة وتتكرر حتى تقود في نهايتها إلى نافذة صغيرة هلالية تصبح على صغرها هدف العين الباحثة عن مغزى التكرار، فتخطف النظر وتريح البصر وتقدم للنفس العديد من الإجابات حيث يصبح المعنى مفتوحا أمام روعة المشهد.

بني المسجد عام 263 هـ _ 877 م  بأمر من أحمد بن طولون.

وهو ثالث مسجد جامع أقيم في مصر من حيث تاريخ البناء، لكنه المسجد الوحيد الذي بقي تقريبا على نفس شكله الأول الذي بني به صامدا عبر الزمن.

أما مكانه ففي القاهرة القديمة بين منطقة السيدة زينب ومنطقة السيدة عائشة.

محمد الحموي.