الفن الذي لا حدود له
إن الغاية المرجوة ليست بأن ننسخ صوراً طبق الأصل عن الحقيقة، بل أن نرى الحقيقة من منظور آخر وزاوية أخرى. وليس من باب العبث أن اتخذ فن الزخرفة الإسلامة التقليدية اسم “الأرابيسك”.
إن فن “الأرابيسك” هو الفن الذي لا نهاية لامتداداته وتفرعاته، مثل النبتة المتسلقة التي لا تعرف امتداداتها وتفرعاتها أية حدود. إنه الفن الذي نراه على جدران الأبنية وفي فن تجليد الكتب وفي صنع الأواني وزخرفتها، وفي الأقمشة وألوانها ورسومها، وفي أشياء أخرى كثيرة لا تحصى.
إنه الفن الزخرفي لمجرد الفن، والفن المخرج بعناصر هندسية مدروسة، والفن الهندسي المتشابك والمتداخل الذي كلما نظرت إليه طالعتك صور وأشكال جديدة لا حدود لها، تماماً كصفحة النجوم في السماء، صور تعبر عن وحدانية الخالق، وتشير إلى أسرار الظواهر الكثيرة التي تشير بدورها إلى الوحدانية.
لقد عمل علماء الرياضيات المعاصرون على فك رموز المعادلات الرياضية التي استخدمها المسلمون في فن الزخارف الرياضية الإسلامية، ووصل العلماء إلى نتائج مذهلة على صعيد البنى والتراكيب الرياضية التي استخدمها الفنانون المسلمون.
إن فن الزخرفة العربية بتشعباته التي لا حدود لها هو بالتأكيد الشكل المثالي المعبر عن الإحساس الفني الإسلامي، وإن الحقيقة التي تقول إن عين المشاهد لا تقف عند نقطة مركزية محددة، بل هي دائمة التجوال من تفصيل إلى آخر _ وهناك رابط سري يربط فيما بين هذه التفاصيل_ هذه الحقيقة يبدو أنها كانت عنصرا جوهريا ضمن العناصر التي قام عليها فن رسم المنمنمات الإسلامية.”
آنا ماري شيمل
من كتاب أوروبا في مواجهة العالم الإسلامي