تأملات معاصرة في البيت الدمشقي
في البيت الدمشقي هناك تحرك ضوئي على امتداد النهار .. فهو مكان بعيد عن الروتين المتمثل بالمنظر الواحد وذلك نتيجة أمرين اثنين .. الأمر الأول هو التحرك البصري لجميع مكوناته بما بتساوق مع تغير مستويات ضوء الشمس المتحكم بشكل كبير بجميع أجزاء البيت .
أما الأمر الثاني فهو التغيرات البيئية المرافقة لعناصر البيئة الطبيعية الموجودة فيه والتي هي بالأصل بيئة متحركة وليست بيئة جامدة مما يجعل البيت الدمشقي هو أقرب إلى البيئة الطبيعية المتغيرة منه إلى البناء الجامد
فهو دوما بعيد عن ركود المنظر وروتين المكونات الثابتة التي تبقى على حالها .. ولعل هذا هو من أكثر الأسباب التي تجعل أول تعبير يرد على لسان زوار البيت العربي هو: بيت له روح. وهي روح حاضر دائما بدفئها وخصوصيتها وضمها لكل مكنونات الفرد والأسرة بكل هذا الحضور الجميل الطبيعي الذي تناغم فيه الحجر مع الشجر.
إن التآلف مع البيئة الطبيعية هو واحدة من أهم ميزات البيت الدمشقي وهو أمر في غاية الأهمية. فتكوين هذا البيت يفترض سلفا وجود البيئة الطبيعية كأحد أهم العناصر الأساسية المكونة له.
فالسماء والشمس والشجر والتربة والهواء والماء والطيور والكثير من الحيوانات الصغيرة وحتى الحشرات كلها تدخل في تكوين هذه البيئة .. وتشكل تآلفا جميلا وتفرض تناغما راقيا بين الإنسان والطبيعة .. وهو تناغم مدني وليس قروي.. تناغم مدني يجمع المنزل المزخرف والمتمدن والقائم على أجمل وأرقى الأفكار الهندسية والمعمارية مع البيئة الطبيعية المتكاملة والمسخرة بطريقة ذكية وفعالة.
البيت الدمشقي هو بيت صديق للبيئة إن صح التعبير : بمعنى تسخير كل العناصر المكونة له في خلق مصادر إضافية وفعالة للطاقة الحرارية ( تسخين _ تبريد ) دون استخدام أي من مصادر الطاقة الحديثة ..
فدراسة ضوء الشمس وانتقاله بين الغرف واستغلاله بكافة أحواله مع استثمار طبيعة البناء والحجر وألوان الأرضيات لزيادة الحرارة وخلق مناخ دافئ .. وأيضا استغلال الماء والبحرات والفسقيات لخلق جو مفعم بالرطوبة في فصل الصيف هو ما يجعل تصميم هذا المنزل متطور للغاية وموظف بشكل أكثر من رائع وصديق للبيئة ومحافظ على الطبيعة المحيطة .
محمد الحموي